القوى الصلبة والناعمة- محددات النفوذ الاستعماري في الشرق الأوسط.
المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.24.2025

يتفق جمهرة من علماء السياسة الأمريكيين وغيرهم من الباحثين على أن الفهم العميق للأحداث والتطورات السياسية الدولية المتسارعة في المناطق النامية والأقل نمواً في العالم، يستلزم أولاً استيعاب أربع نظريات ومفاهيم سياسية محورية، وهي: النظام العالمي القائم، وسياسات القوى العظمى المهيمنة تجاه المنطقة المعنية، وأنماط الحكومات الموجودة في تلك المنطقة، وأخيراً نظرية الاستعمار الجديد. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، يضيف هؤلاء العلماء أهمية فهم الحركة الصهيونية وأهدافها وأساليبها، نظراً لتأثيرها الجوهري والعميق على مسار الأحداث والتطورات السياسية في العالم العربي. وسنتطرق هنا إلى مفهوم "الاستعمار"؛ الذي يجسد إقدام دولة ذات نفوذ وقوة على بسط سيطرتها وحكمها على منطقة أو "دولة" أخرى، أقل منها قوة (بشكل نسبي)، سواء تم ذلك من خلال الاحتلال العسكري المباشر أو عن طريق الاحتلال السياسي (الاستعمار غير المباشر/الجديد) وفرض النفوذ، كظاهرة بارزة وملموسة في العلاقات الدولية المعاصرة.
لقد تناولنا هذا الموضوع في السابق، ولكن مقال اليوم، وما يليه، سيتعمق في استعراض التوجهات الاستعمارية للدول العظمى والكبرى، التي تعاني منها منطقتنا العربية أشد المعاناة، الأمر الذي يستدعي التذكير بالنقاط الأساسية التي تسهل فهم ظاهرة الاستعمار. تُعرّف "الدولة" -أية دولة- بأنها: تجمع بشري كبير من السكان، يقيمون بشكل دائم على رقعة جغرافية محددة من الأرض، وتتولى تنظيم شؤونهم العامة حكومة ذات سيادة. وأي دولة تمثل كياناً ذا قوة. وتظل "قوة" الدولة -أية دولة- "الصلبة" أو الأساسية (Hard Power) متمركزة بشكل رئيسي في "العناصر" الستة المعروفة: جودة وعدد السكان، الموقع الجغرافي وأبعاده الطوبوغرافية، الثروات والموارد الطبيعية، القدرات التقنية والصناعية لسكانها، الإمكانات العسكرية... بالإضافة إلى العنصر الأهم، وهو: طبيعة نظام الحكم وإدارتها (النظام السياسي) ومدى استقراره وكفاءته. وعند محاولة "قياس" مدى قوة أي دولة على الساحة الدولية (مقارنة بنظيراتها)، تؤخذ هذه العناصر الستة في الاعتبار الأول، باعتبارها تشكل (مجتمعة) ما يسمى بـ"القوة الصلبة" للدولة، أو قوتها المادية.
وبالإضافة إلى "القوة الصلبة"، توجد "قوى" أخرى، وهي: "القوة الناعمة" (Soft Power): فلكل دولة قوة معنوية وروحية... تتجلى في: ما تقدمه وتطرحه من قيم ومفاهيم ومبادئ وأساليب إنسانية حضارية، وثقافة راقية وأدب رفيع وعلم متقدم وفن مؤثر، ومساعدات اقتصادية وإنسانية واجتماعية... تحظى -من قبل الآخرين- بالقبول والاستحسان والتقدير. هذا بالإضافة إلى مدى التزامها بحقوق الإنسان، وبما يسمى بـ"المبادئ الخمسة السامية إنسانياً وعالمياً"، التي تعتبر، في الوقت نفسه، حقوقاً أساسية للإنسان، وهي: الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية (الشورى)، والتكافل الاجتماعي.
ويمكن إضافة إلى القوتين الصلبة والناعمة: الدعم والتأييد الدولي: المستمد من علاقات صداقة وتحالفات دولية راسخة، أو يمكن تحديدها، سواء كانت معلنة أو سرية. فقد نجد في بعض الحالات (على سبيل المثال) دولة تصنف "صغيرة" على مقياس القوة الدولية، ولكنها تمتلك، في تلك الحالات، قوة ونفوذاً يفوق حجمها بكثير. وذلك بفضل قوتها الذاتية، وبفضل المساندة والدعم الدولي من قوى دولية كبرى.
إن أهم ما يحدد وضع (ومكانة) أي دولة -في أي حقبة زمنية- على الساحة الدولية، هو: حصيلة "القوة الصلبة" التي تمتلكها، والقوة الناعمة التي تتمتع بها، وما يتبع ذلك من قوى أخرى. ولا تكتمل قوة أي دولة، ولا يستقر وضعها على الساحة الدولية إلا بتوافر قدر (معقول) من "القوة"، بأنواعها وعناصرها المتنوعة، وبشقيها المادي (الصلب) والمعنوي (الناعم). وبناءً على مقدار قوتها (في العناصر الستة، المشار إليها، بالإضافة إلى ما لديها من قوة ناعمة) تصنف الدول على "مقياس القوة الدولية" تنازلياً (حسب الأهمية) إلى سبع فئات، هي كالتالي: 1- الدولة العظمى (القطب/Superpower). 2- الدولة الكبرى. 3- الدولة الكبيرة. 4- الدولة المتوسطة. 5- الدولة الصغيرة. 6- الدولة الصغرى. 7- الدويلة. وبحيث يمكن تحديد "مكانة" كل دولة في العالم، في تاريخ محدد، على هذا الأساس (بعد "تحديد" قوة الدولة العظمى المعاصرة).
ونعيد التأكيد على أن "نفوذ" أي دولة ومدى قدرتها على تحقيق أهداف سياساتها، يعتمد على: مدى قوتها، وموقعها على "مقياس القوة الدولية". فكلما ارتقى هذا الموقع كانت القدرة أكبر، والعكس صحيح. ودائماً ما تحظى الدولة العظمى بالنفوذ الأقوى، والتأثير الأوسع في مجريات العلاقات الدولية في عصرها. وتمتلك الدولة الكبرى قدرة أكبر من قدرة الدولة الكبيرة، وأقل من قدرة الدولة العظمى، وهكذا.
وكل ما سبق يؤكد أن الدول "تتفاوت" في مقدار قوتها ونفوذها. وهذا التفاوت يترتب عليه نتائج بالغة الأهمية، ويختلف من مرحلة زمنية إلى أخرى، ومن حالة إلى أخرى، سواء فيما بين دول العالم، أو بالنسبة للدولة الواحدة المعنية. وإذا أقررنا بأن العلاقات الدولية هي "صراع ومسعى الدول من أجل النفوذ والقوة"، يصبح هذا التفاوت في قوة الدول، وما يترتب عليه من آثار، في ميدان العلاقات الدولية، أمراً طبيعياً، ومتوقعاً، ولكنه ذو تبعات وخيمة. ومن أخطر هذه التبعات، هو نشوء ظاهرة الاستعمار، بنسختيه القديمة والحديثة. فغالباً ما تمارس الدول القوية تسلطها وهيمنتها على الدول الأضعف، بهدف استغلال مواردها وثرواتها، والتحكم في سلوكها السياسي، وغيره من المجالات. إذ تظهر دول استعمارية، تتملكها أطماع توسعية خارج حدودها، تستغل قوتها المتزايدة، والضعف النسبي للآخرين، وتعمل جاهدة على تحقيق ما تسميه بـ"المصالح الحيوية". وغالباً ما تتجسد هذه المصالح في: استغلال لموارد وثروات بلدان أخرى، والاعتداء على سيادتها وإرادتها الحرة، وتوجيه الأمور فيها بما يخدم مطامع القوى المهيمنة، حتى وإن أضر ذلك بالمصلحة العامة للبلدان الضحية.
وإذا كانت "فوضوية" العلاقات الدولية، ومنطقها القائم على القوة الغاشمة، يتيح استغلال القوي للضعيف، فإن القوانين والأعراف الدينية والإنسانية، بل والقانون الدولي الحديث، تحرِّم مثل هذا السلوك المشين، وتقف سداً منيعاً ضد استغلال واستعباد الآخرين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول القوية المتنفذة -ذات الأطماع الخارجية- تمارس هذا التسلط (الذي غالباً ما تفرزه طبيعة الواقع الدولي)... وتحاول جاهدة إخفاء هذه الممارسات وتبريرها بأشكال مختلفة... وللحديث بقية.
لقد تناولنا هذا الموضوع في السابق، ولكن مقال اليوم، وما يليه، سيتعمق في استعراض التوجهات الاستعمارية للدول العظمى والكبرى، التي تعاني منها منطقتنا العربية أشد المعاناة، الأمر الذي يستدعي التذكير بالنقاط الأساسية التي تسهل فهم ظاهرة الاستعمار. تُعرّف "الدولة" -أية دولة- بأنها: تجمع بشري كبير من السكان، يقيمون بشكل دائم على رقعة جغرافية محددة من الأرض، وتتولى تنظيم شؤونهم العامة حكومة ذات سيادة. وأي دولة تمثل كياناً ذا قوة. وتظل "قوة" الدولة -أية دولة- "الصلبة" أو الأساسية (Hard Power) متمركزة بشكل رئيسي في "العناصر" الستة المعروفة: جودة وعدد السكان، الموقع الجغرافي وأبعاده الطوبوغرافية، الثروات والموارد الطبيعية، القدرات التقنية والصناعية لسكانها، الإمكانات العسكرية... بالإضافة إلى العنصر الأهم، وهو: طبيعة نظام الحكم وإدارتها (النظام السياسي) ومدى استقراره وكفاءته. وعند محاولة "قياس" مدى قوة أي دولة على الساحة الدولية (مقارنة بنظيراتها)، تؤخذ هذه العناصر الستة في الاعتبار الأول، باعتبارها تشكل (مجتمعة) ما يسمى بـ"القوة الصلبة" للدولة، أو قوتها المادية.
وبالإضافة إلى "القوة الصلبة"، توجد "قوى" أخرى، وهي: "القوة الناعمة" (Soft Power): فلكل دولة قوة معنوية وروحية... تتجلى في: ما تقدمه وتطرحه من قيم ومفاهيم ومبادئ وأساليب إنسانية حضارية، وثقافة راقية وأدب رفيع وعلم متقدم وفن مؤثر، ومساعدات اقتصادية وإنسانية واجتماعية... تحظى -من قبل الآخرين- بالقبول والاستحسان والتقدير. هذا بالإضافة إلى مدى التزامها بحقوق الإنسان، وبما يسمى بـ"المبادئ الخمسة السامية إنسانياً وعالمياً"، التي تعتبر، في الوقت نفسه، حقوقاً أساسية للإنسان، وهي: الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية (الشورى)، والتكافل الاجتماعي.
ويمكن إضافة إلى القوتين الصلبة والناعمة: الدعم والتأييد الدولي: المستمد من علاقات صداقة وتحالفات دولية راسخة، أو يمكن تحديدها، سواء كانت معلنة أو سرية. فقد نجد في بعض الحالات (على سبيل المثال) دولة تصنف "صغيرة" على مقياس القوة الدولية، ولكنها تمتلك، في تلك الحالات، قوة ونفوذاً يفوق حجمها بكثير. وذلك بفضل قوتها الذاتية، وبفضل المساندة والدعم الدولي من قوى دولية كبرى.
إن أهم ما يحدد وضع (ومكانة) أي دولة -في أي حقبة زمنية- على الساحة الدولية، هو: حصيلة "القوة الصلبة" التي تمتلكها، والقوة الناعمة التي تتمتع بها، وما يتبع ذلك من قوى أخرى. ولا تكتمل قوة أي دولة، ولا يستقر وضعها على الساحة الدولية إلا بتوافر قدر (معقول) من "القوة"، بأنواعها وعناصرها المتنوعة، وبشقيها المادي (الصلب) والمعنوي (الناعم). وبناءً على مقدار قوتها (في العناصر الستة، المشار إليها، بالإضافة إلى ما لديها من قوة ناعمة) تصنف الدول على "مقياس القوة الدولية" تنازلياً (حسب الأهمية) إلى سبع فئات، هي كالتالي: 1- الدولة العظمى (القطب/Superpower). 2- الدولة الكبرى. 3- الدولة الكبيرة. 4- الدولة المتوسطة. 5- الدولة الصغيرة. 6- الدولة الصغرى. 7- الدويلة. وبحيث يمكن تحديد "مكانة" كل دولة في العالم، في تاريخ محدد، على هذا الأساس (بعد "تحديد" قوة الدولة العظمى المعاصرة).
ونعيد التأكيد على أن "نفوذ" أي دولة ومدى قدرتها على تحقيق أهداف سياساتها، يعتمد على: مدى قوتها، وموقعها على "مقياس القوة الدولية". فكلما ارتقى هذا الموقع كانت القدرة أكبر، والعكس صحيح. ودائماً ما تحظى الدولة العظمى بالنفوذ الأقوى، والتأثير الأوسع في مجريات العلاقات الدولية في عصرها. وتمتلك الدولة الكبرى قدرة أكبر من قدرة الدولة الكبيرة، وأقل من قدرة الدولة العظمى، وهكذا.
وكل ما سبق يؤكد أن الدول "تتفاوت" في مقدار قوتها ونفوذها. وهذا التفاوت يترتب عليه نتائج بالغة الأهمية، ويختلف من مرحلة زمنية إلى أخرى، ومن حالة إلى أخرى، سواء فيما بين دول العالم، أو بالنسبة للدولة الواحدة المعنية. وإذا أقررنا بأن العلاقات الدولية هي "صراع ومسعى الدول من أجل النفوذ والقوة"، يصبح هذا التفاوت في قوة الدول، وما يترتب عليه من آثار، في ميدان العلاقات الدولية، أمراً طبيعياً، ومتوقعاً، ولكنه ذو تبعات وخيمة. ومن أخطر هذه التبعات، هو نشوء ظاهرة الاستعمار، بنسختيه القديمة والحديثة. فغالباً ما تمارس الدول القوية تسلطها وهيمنتها على الدول الأضعف، بهدف استغلال مواردها وثرواتها، والتحكم في سلوكها السياسي، وغيره من المجالات. إذ تظهر دول استعمارية، تتملكها أطماع توسعية خارج حدودها، تستغل قوتها المتزايدة، والضعف النسبي للآخرين، وتعمل جاهدة على تحقيق ما تسميه بـ"المصالح الحيوية". وغالباً ما تتجسد هذه المصالح في: استغلال لموارد وثروات بلدان أخرى، والاعتداء على سيادتها وإرادتها الحرة، وتوجيه الأمور فيها بما يخدم مطامع القوى المهيمنة، حتى وإن أضر ذلك بالمصلحة العامة للبلدان الضحية.
وإذا كانت "فوضوية" العلاقات الدولية، ومنطقها القائم على القوة الغاشمة، يتيح استغلال القوي للضعيف، فإن القوانين والأعراف الدينية والإنسانية، بل والقانون الدولي الحديث، تحرِّم مثل هذا السلوك المشين، وتقف سداً منيعاً ضد استغلال واستعباد الآخرين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول القوية المتنفذة -ذات الأطماع الخارجية- تمارس هذا التسلط (الذي غالباً ما تفرزه طبيعة الواقع الدولي)... وتحاول جاهدة إخفاء هذه الممارسات وتبريرها بأشكال مختلفة... وللحديث بقية.
